Mots clés

#مذكرات الدكتور رضا مبروك ادب السيرة الذاتية طب العيون في تونس الطب في خدمة العمل الانساني الطبيب التونسي

في خدمة الآخرين (الجزء الثاني)

Mabrouk Ridha
Récit autobiographique Sciences appliquées

Détails de la publication

ISBN
978-9973-49-239-5
Maison d’édition
L'Académie tunisienne ( Beït al-Hikma )
Collection
Autre
Date de publication
2022
Nombre des pages
248
Langue
Arabe
Titre Page début Page fin Etat Actions

ولد د. رضا مبروك بالمنستير، المدينة المعتبرة مقدّسة نظرا إلى مساهمة المرابطين بها في نشر الدّين الإسلامي والدّفاع عنه. والده أصله من اليمن من قبيلة بني تميم. كانت صحّته هشّة فتوفي شابا، لم يكن سن رضا آنذاك إلاّ خمس سنوات. رجعت أمّه ست الكل إلى المهدية قرب والديها ذوي الأصول القوقازية. كانت قد تعلّمت اللّغة الفرنسية في مدرسة الأخوات المسيحيات. ولمّا كانت المهدية شبيهة بالجزيرة المفتوحة على التبادلات انتفع المؤلّف بخصوصيات المدينتين المختلفتين لكن المتكاملتين. مرّر له والداه شغفهما بالقراءة أحدهما بالعربية والثانية بالفرنسية. هيّأه ذلك لاكتساب اللغات ومنها الإنقليزية. اختارت ست الكل أن يتعلم في مدرسة فرنكو-عربية في هبون hiboun وهي قرية بعيدة عن المدينة وأحبّت أن يكون قريبا من أبناء الفلاحين. وبنفس العقلية جعلته يتابع الثانوي في معهد كان فيه رفاقه من كامل أنحاء البلاد. سنوات الدّراسة من 1933 إلى 1954 وُسمت بمرحلتين مضيئتين، المعهد الصّادقي، مركز المعرفة والهوية الوطنية وهارفارد مركز العلم والتكنولوجيا. مكّنته منح أخرى من مراكز جامعية أوروبية وبالولايات المتحدة الأمريكية من تكوين كثير التنوّع. في 1955 جعلته نشوة حصول تونس على استقلالها يعود إلى الوطن محمّلا بدبلوماته وشهائده، وفي رأسه تدور فكرة إنشاء مؤسّسته لينقل إلى مواطنيه ما تعلّمه في الخارج. وبفضل ما اكتسبه من الساحة الفرنسية ومن الولايات المتحدة صار رئيس قسم بمعهد طب العيون بتونس ثم أستاذا بكلية الطبّ بتونس والتزم بالعمل كامل الوقت بالمستشفى كاشفا عن شغفه الموروث عن والديه: التعلّق بالمجتمع. حظي بممارسة النشاط الطبّي الاجتماعي الذي طالما انتظره، وسرعان ما توافد المتربصون والإطار شبه الطبيّ على قسمه. أسّس نادي البصر للمغرب العربي منجزا تلك الفكرة التي نشأت في الجزائر مع رفاق الكلية. فحقّق معهم الحلم المشترك بالوحدة الطبية المغاربيّة وكانت ملحمة فريدة هي فخر لأمتنا الشابّة. في سنّ متقدّمة صار يحسّ بسعادة عظيمة وهو يرى طبيب العيون سفيرا متجوّلا يمثل الطب التونسي، وفارسا ينشر النّور من أجل التعاون جنوب-جنوب. وهو على مشارف القرن من عمره ووفاءً منه لداعمه الأستاذ عبد السلام نظّم مرحلة دروس عنوانها دروس «السلام المغاربي» عن الدور الرّئيسي للعلوم البصرية لتنمية البلاد اقتصاديا واجتماعيا. فالإيمان القوّى مع الثقة بالقدُرات الذاتية مكّنه من إثبات لقبه كرائد للنهضة بطبّنا، بإنشاء مدرسة النّادي بعد عشرة قرون من نشأة مدرسة القيروان.

Préface

تقديم كتاب «في خدمة الآخرين» «خادم القوم سيدهم» للدكتور رضا مبروك «و إن كلّ كيان لجهد وكسب منحوت» تصدر ترجمة هذا الكتاب وقد ترجّل الفارس بعد طول النزال والنضال وترك بصمته في تاريخ تونس الحديثة بداية من استقلالها إلى آخر يوم من حياته وهو العضو النشط بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة». كانت حياته ملأى بالعمل الصالح: جرّب الفلاحة وجرب تربية الحيوان ومارس أنواع الرّياضة وسافر إلى قرابة السبعين بلدا من أجل النجدة الطبية في علاج العيون لسكانها. كتب نشر النّور semer la lumière وترجمه له الدكتور شمس الدين حمودة إلى العربيّة وكتب أشعارا باللّهجة التّونسية وبالفرنسية تجلت فيها خصال المواطن المفتون بوطنه، وأخلاقيات الطبيب الإنسان المؤمن بنبل مهمته ولعلّ مشروع حياته الأكبر كان مؤسّسة نادي البصر، فهي أكثر منجز استغرق جزءا كبيرا من حياته وكان مشروعا فريدا من نوعه جعله يكتب الكثير عنه في أشعاره. فمن ذلك مقطوعة كتبها بالفرنسية نشرها في هذا الكتاب وهي بعنوان appel aux ophtalmologistes « دعوة لأطبّاء العيون» كانت بمثابة الميثاق إذ تجلّت فيها نزعته الإنسانية وزهده في الكسب المادي من أجل قيم أبقى وأرفع وأكثر نفعًا للناس يقول فيها : أنتمُ يا من دلّلكُم القدَرْ بأيديكم تمنحُون النورَ المعتبرْ طريقُكُم هُوَ طريقُ نَادي البَصَرْ صباحًا مساءً فما الذي يُنتظرْ؟ آلافُ الصغارِ والمسنين أَعْياهم الكِبرْ سيعترفُون لكُم بِعلاجِكم المقتدِرْ كوُنوا أعضاءَ نادٍ هُوَ لَكُم منتصِرْ ولا تتركُوا الشّمعة تنْدثرْ فهي بِلا شيء أضاءَت العالَم المكفَهِرْ لا تسلِّموا أنفسَكم لِجَوعْى المَالِ القَذِرْ فأنتمُ أسيادُ عالَم الغَدِ المزدَهِرْ اِقرؤوا تاريخَ قدمائِنا والعِبَرْ وكونُوا دوما في خِدمة الخَيْرِ وجَيِّدِ السِّيَرْ حاول الدكتور رضا مبروك الرسم وسخر من رسومه التي رأى رسوم أحفاده الصغار وهي الصبيانة من الفن الساذج art naïf أجمل منها. كلّ هذا نجده في كتابه الجامع المانع الذي دوّن فيه أعماله العلمية والخيرية ونشره المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون بيت الحكمة سنة 2018 في جزءين بعنوان «au service d’autrui» في «خدمة الآخرين» أو «خادم القوم سيّدهم» كما سمّاه هو بنفسه. فإذا بهذا الكتاب صفحة ووثيقة هامّة من تاريخ تونس. له ظاهر وباطن «متلازمان متضايقان» على حدّ قول ابن خلدون، إن شئت قرأته قراءة أفقيّة تكتفي بجانب السيرة الذّاتية في مظهرها السطحيّ، وإن شنت غصت في تلافيف الأحداث وتضاريس الكتابة لتكتشف لبّ الحديث وأهداف السّيرة. فإذا أنت أمام كتاب تاريخ في الطبّ المعاصر بتونس، أمام شهادة على العصر وناسه، على تحوّلاته الفكرية والاجتماعيّة والسّياسية. أمام مجتمع بنيته طريفة وانفتاحه عجيب شكلّ به لوحة فسفسائية بديعة الجمال عسى ألا ينفرط سلكها الناظم حتى لا تصير مجرد قطع منتثرة من الحجارة بلا انتظام ولا اتساق ولا انسجام ولا معنى. تعوّدنا على السّيرة الذاتية في الكتابة الأدبيّة ككتاب الأيّام لطه حسين في تميّزه الفنّي وغناه بما وراء ذلك. لكنّ هذه السّيرة الذاتية هي سيرة عالم لا أديب. سيرة طبيب مختصّ في طبّ العيون وهي ليست الأولى من نوعها على ما أعلم، فقد كتب المرحوم الدكتور الجرّاح محمّد الزّواوي سيرته لأبنائه histoire de ma vie ou mon anecdote pour mes descendants . إلاّ أنّ الطّريف في سيرة رضا مبروك يتمثل في أنّه كتبها وقد تجاوز التسعين من عمره بالاعتماد على ذاكرته الجيّدة نسبيّا مدعّمة بالوثائق والصور التي تبيّنا من خلالها حرصه الشديد على جمع الوثائق والإثباتات حرصا يكاد يفوق حرص المؤرخ النزيه المشغوف بكل صغيرة وكبيرة. وللناقد المشاكس أنّ يقول رغم ذلك، إنّ للذاكرة إخلالاتها مهما كانت قويّة، ونقول إن على من يعلم بالإضافة أن يضيفها حتّى تكتمل عند المؤرّخ المعطيات ليستخلص منها الحقيقة. ولكنّ الناقد المشاكس قد يضيف أنّ الكتاب لا يخلو من التكرار وكان يمكن أن يُختصر ويمكنه أن يقول إنّ كاتبه نرجسيّ «فرحان بروحو» كما صرّح بذلك دون تواضع كاذب، فيستشهد عليه بقول الشاعر: يَهْوَى الثَّنَاءَ مُبَرِّزٌ وَمُقَصِّرٌ *** حُبُّ الثَّنَاءِ طَبِيعَةُ الْإِنْسَانِ فنجيب ومن منّا لا يحبّ الثناء. فلا ضَيْر أيّها الناقد المشاكس من ذلك إن كان الاعتزاز بالنفس مشفوعا بالعمل الصالح وليس فيه اعتداء على حقوق الآخر. وقد يُرجِع النّاقد المشاكس ما قام به صاحب الكتاب من إنجازات إلى الحظّ: فهو محظوظ بالوسط الذي أنجبه وربّاه، محظوظ بأسلافه الأشراف الأغنياء الذين أنفقوا على تعليمه وأسكنوه القصور... بل قد يذهب إلى نقد النظام الاقتصادي للمجتمع الإقطاعي القديم، ذلك النظام الذي دافع عنه المؤلّف، نظام «الأوقاف» المحتكر للمال والعلم والذي ألغاه قانون حلّ الأحباس من أجل بناء نظام اقتصادي بدا لبناة تونس الحديثة آنذاك أفضل من النظام القديم لأنّه يقوم على المواطنة والعدالة والمساواة. فيذكّرنا الناقد المشاكس بمعركة ابن حزم مع أحد معاصريه وبالحجّاج وبالمتنبي وبمعركة «فولتار» voltaire مع نبيل أرعن من نبلاء عصره ونقول له : إنّ المقياس هو اعتبارنا أنّ رجلا توفّرت له كلّ تلك الإمكانيات وانصرف عن طلب الملذات والراحة والدّعة بل عمل جهده ليسخّر كل ذلك وكلّ وقته لخدمة الآخرين لهو أرفع من أن يقال فيه هذا. فللناقد المشاكس إذن أن يقول ما يشاء لكنّ كلّ ذلك لا ينتقص من قيمة هذا الكتاب الملحمة الذي يحتوى على مسيرة جادّة، عسيرة، مثابرة، ثابتة على فكرة قارّة جعلها نابوليون تعريفا للعبقرية ( العبقرية تقوم على فكرة ثابتة : le génie est une idée fixe) فكرة مشروع بناه صاحبه على الإيمان بالدّماغ التّونسي القادر على الإبداع لرفع تونس إلى مستوى بلدان العالم المتقدّم. فرضا مبروك هو من الجيل المؤسّس لتونس الحديثة في مجال الطب وبالذات في طبّ العيون. جيل رائد أخذ على عاتقه تحمّل تلك المسؤوليّة التي تخلّى عنها الأطباء الفرنسيون وقد غادروا تونس بعد الاستقلال، جاء في الوقت المناسب ليخوض مع الكثير من أبناء عصره من ذوي الإيمان الصادق والهمم العالية «معركة البناء والتشييد» أو «الجهاد الأكبر» على حدّ عبارتَيْ المرحوم الرّئيس الحبيب بورقيبة. هو من ذلك الجيل بنسائه ورجاله الذي وضع نصب عينيه نهضة تونس في شتّى المجالات. ولكم يذكرني هذا الكتاب بتجربتي الشخصية مع رواد الجامعة التونسية بكلية الآداب في زمن كان فيه جوع جيلنا المعرفي لا يشبع. فأترحّم على أساتذتي الكرام الذين أنا مدينة لهم بشتّي المعارف التي جعلونا ننهل منها فلا نَزداد إلا عطشا. أذكر بكل خير الأستاذ أحمد عبد السلام والأستاذ محمّد عبد السلام أخوه الأصغر فعنهما حدّث ولا حرج. وأذكر الأستاذ صالح القرمادي رائد اللّسانيات والأستاذ محمد رشاد الحمزاوي رائد المعجمية والأستاذ عبد القادر المهيري وله دور في شغفي باللّغة العربية منذ درست عنده بالسنة الأولى في معهد نهج الباشا. والأستاذ المنجي الشملي الذي جعلنا نؤمن بالأدب التونسي وأفادني بأبجديات الأدب المقارن والصرامة في نقل النصوص من لغة إلى أخرى،والأستاذ توفيق بكار رائد مناهج النقد الحديثة وكان بحثني عن المسعدي باستعمال منهج الأسلوبية الأوّل بكلية الآداب وباكورة ما أشرف عليه من أعمال تحاور المناهج النقدية الحديثة. وكان يوصي دائماً بالنهل من المعارف الحديثة المتجدّدة دون الوقوع في أسرها حتى نحتفظ بحريتنا الفكرية وبصماتنا وخصوصيتنا، وإلى آخر نفس من حياته كان يوصي خيرا باللّغة العربية. أمّا الأستاذ اليعلاوي فتعلّمت منه استكشاف المخطوطات واستنطاقها وإحيائها ومعرفة كيفية الاستفادة منها هنا والآن. وللأستاذ الدشرواي ميزته في تعريفنا بمدوّنة تونس التراثية: ابن خلدون وسحنون وفي براعة النقل منهما إلى الفرنسية ارتجالاً في طرفة عين وقدرة عجيبة على إتقان اللّغتيين ولا يمكنني أن أنسى إضافة الأستاذ محمّد السويسي في تكوين جيلنا بإطلاعنا على العلوم عند العرب... أولائك أساتذتي الأفذاذ الأبرار بناة الجامعة التونسية وروادها بعد الاستقلال فهم جديرون بالكتابة عن مسيرتهم لتخليد ذكرهم عسى أن يكونوا قدوة للأجيال الصاعدة، لما اتصفوا به من علم واسع وتواضع جمّ وأخلاقيات راسخة وفي مجال طب العيون اجتمع حول الدكتور رضا مبروك ثلّة من الأطباء والطبيبات والمشتغلين بصحّة العيون، اجتمعوا حول أستاذهم لإنجاز مشروع جذعٍ له فروع توسّعه لا في مجالات الاختصاص فحسب بل في المكان وفي الزمان. في الكتاب: - تاريخ إنشاء كلية الطبّ. - تاريخ إنشاء معهد طب العيون. - تاريخ إنشاء بنك العيون. - تاريخ الجمعيات الخيرية : نادي الأسود، نادي البصر، نور وبركة، أحباء وأولياء ضعفاء البصر... - تاريخ النجدات عبر البلدان المغاربية والعربية والإفريقية والآسياوية. - تاريخ تكوين إطار طبيّ متميّز معترَف به عالميّا اتخذ اللّغة الإنقليزية وسيلة للاطلاع مباشرة على أحدث ما يجدّ في طبّ العيون. في الكتاب أعمال جليلة حققت الوحدة المغاربية والوحدة الإفريقية والعربية والانفتاح على البلدان الآسياوية (اليابان والهند والصّين) وعلى أوروبا وأمريكا بشمالها وجنوبها بفضل طبّ العيون انفتاحا موسوما بـــــ «الأنسنة» humanisme. عشرات البلدان ارتفع فيها علم تونس مُرفرفا وهي تشارك في المؤتمرات العالمية مشاركة الندّ. عرّفنا الكاتبُ بكلّ ذلك موثّقا بالمستندات والصور المتابعة لتطوّر علاج العين كأحدث ما يكون وبكفاءة عالية. ثلّة من الأطباء آمنوا بنبل رسالتهم في المجتمع فتعاونوا على نشر الأنوار: نور البصر ونور البصيرة. تطوّعوا بلا مقابل لتحسيس الكبار والصّغار بأهميّة الحفاظ على هذا العضو المدخل إلى بناء مستقبل أفضل فخُصّصت جائزة الرسم للتلاميذ وجائزة ست الكل للأطباء تشجيعا للبحث. في الكتاب إيمان بالإنسان التونسي رجلا وامرأة وفيه رسالة تفاؤل، فيه اعتراف من الدكتور رضا مبروك بالجميل لكلّ من ساعده على هذا المشروع العظيم بفضل التبادل والتفاهم والتّعاون. فيه تتويج وتمجيد للمرأة وعلى رأسها الأمّ «ستّ الكلّ» والدة رضا مبروك التي نذرت حياتها وهي في عزّ الشباب لأبنائها ولمجتمعها بأعمالها الخيرية فقامت بوظيفتها العائلية والاجتماعية على أحسن وجه، فيه اعتراف للعائلة وتكاتفها، اعتراف للخالين وللأخوين وللزّوجة والبنت والزميلة والكاتبة وإعجاب بالمرأة التونسية خاصّة والعربية عامة (ليبية، عراقية، مصرية،...). تجلّت في الكتاب صورة امرأة تتحلّى بالخلق الكريم والعلم والطموح والشعور بالواجب. وتُوّج كلّ ذلك بنموذج رائع للبرّ بالوالدين ولاسيّما الأمّ وتكريمها أبدع تكريم بإطلاق اسمها على « مؤسّسات ستّ الكلّ». كنّا نجتمع يوم الجمعة الأخير من كلّ شهر بنادي البصر «باب منارة» في نطاق الاجتماع الدّوري للجمعية التونسية لتاريخ الطبّ والصيدلة فلفت انتباهي العدد الكبير من الصّور المعلّقة على جدران قاعة الاجتماع في باب منارة التي كانت عيادة الدكتور رضا مبروك. صور لا يستطيع تفسيرها إلّا الدكتور رضا مبروك كلّما سألناه عن إحداها. ذات مرّة اقترحت عليه أن يوثّق تلك الصور مع ما يفسّرها في كتاب يؤرّخ فيه لمسيرته طيلة عقود، بل تحدّثنا بعد ذلك حتى عن عنوان الكتاب «صور وعبر» ثمّ إني وعدته بتعريب كتابه منذ كان مشروعا. راقت الفكرة لأستاذنا فانقطع إلى تحقيقها في هذا الكتاب الثمين معتكفا بنعسان بين الزّياتين اعتكافَ ابن خلدون في قلعة بني حمّاد بالجزائر ليكتب كتابه «العبر...». ما أجمل أن يصير المشروع حقيقة وما أبدع أن تكون حياة رجل علم قطعة من تاريخ بلاده فتسطّر للأجيال الصاعدة منهجا قويما مفعما بالدّروس والعبر، يقوم على الثقة بالنفس ونبل المقاصد والطموح والأخلاقيات الكريمة والإيمان بنُور العلم والفكر. هو منهج مشعل يهدى إلى مستقبل لا نكون فيه مجرّد مقلّدين مستهلكين بل مبدعين نصنع مستقبلنا بأيدينا نحن، وبالتّعاون مع الآخرين تعاون الند، من أجل نهضة وطن نحن جزء من كيانه الصّامد على مدى التّاريخ. في كتابه «خادم القوم سيّدهم» au service d’autrui قطعة شعرية باللّغة الفرنسية عنوانها mots rimés تعبر عن الحيرة والتّمنّي والأحلام الدّافعة إلى العمل الدّؤوب يقول فيها رضا مبروك : لِمَ لستُ سحابةً كبيرَه تسافر حرّةً بلا مَتاعٍ ولا تأشيرَه من الأعلَى أتأمّل جمالَ المشاهِد المثيرَه *** عند مروري تتغيّرُ السماءُ لِتَصير ظليلَه آلافُ الناسِ تَرمقها في انتظارِ نبوءَةٍ جميلَه فأجيب رائد طب العيون الأوّل بعد الاستقلال الدكتور رضا مبروك وهو الحاضر الغائب: بلى أنت سحابةُ أهدت الناسَ أمطارَ العلم الغزيرَه أنت الطبيبُ الإنسانُ ذُو الأخلاقياتِ والنفسِ الكبيرَه زرعتَ النورَ والفرحَ في القلوبِ الكسيرَه وعالجتَ العيونَ بيدك المباركةِ المنيرَه فاهنأ في جنتك بالرّضى والعينِ القريرَه قرطاج، في 31 ماي 2021 الدكتورة فاطمة الأخضر رئيسة الجمعيّة التّونسية لتاريخ الطبّ والصّيدلة

Titre ISBN Volume
Titre ISBN Langue