جذور العولمة في الفكر الحديث من خلال السان سيمونية

سان سيمون والعولمة : سان سيمون، حياته وبيئته الفكرية –سان سيمون فكره وفلسفته الاجتماعية – النزعة العالمية في فكر سان سيمون – السان سيمونية والعولمة : المدرسة السان سيمونية 1832 – النزعة العالمية للسان سيمونية – السان سيمونية في الشرق : السان سيمونية في الشرق -1825 – المآل المتناقض للسان سيمونية

أثارت مسألة التأريخ للعولمة نقاشا وخلافا بين الباحثين، فلئن أرجعت بعض المقاربات التاريخية المختزلة العولمة إلى الفترة الحديثة فهناك وجهة نظر أخرى تذهب إلى القول بتاريخية العولمة معتبرة أن العولمة الراهنة ما هي إلا صورة منقّحة ومتطورة لظواهر ومسميات تعود إلى بدايات التاريخ 1. ولذلك تقرن هذه الدراسات تشكّل العولمة بمجموعة من الوقائع والأحداث مثل تكون الإمبراطوريات التاريخية عبر العصور والاكتشافات الجغرافية الكبرى التي عرفها القرن الخامس عشر بعد اختراع السفن الحديثة. وكذلك في ظهور المركانتيليات الاقتصادية في القرن السابع عشر وبداية هيمنة الشركات المت  عددة الجنسيات على الاقتصاد . العالمي، ولاسيما في تبلور النّزعة الإنسانّية العالمية مع نهاية القرن الثامن عشر 2 وقد أدت كّل هذه الوقائع والأحداث إلى تشكّل فضاء كوني مع تزايد المبادلات التجارية العالمية بفضل تطور الشبكات الاتصالية كشق عدد من القنوات البحرية مثل قناة السويس وقناة بناما وخاصة مع الثورة التكنولوجية التي عرفها العالم بداية من النصف الثاني من القرن العشرين. ولذلك فقد اعتبر بعض دارسي الاقتصاد السياسي أن العولمة مرحلة من مراحل التاريخ الطويل للرأسمالية وتتويج لسلسلة من التطورات الاقتصادية التي أخذت في التشكلّ منذ القرن الخامس عشر، وذلك في إطار ما أنتجته الرأسمالية من وسائل تقنّية حديثة في مجالات الاتّصال ودفع عمليات الإنتاج والتبادل، وبالتالي فإن مصطلح العولمة قد حلّ محلّ مفاهيم كانت . رائجة من قبل مثل المجتمع الصناعي أو اقتصاد السوق أو التدو ولكن الملاحظ أن الوحدة العالمية كفكرة قد عرفت صياغتها في القرن الثامن عشر الذي أضافت أدبياته مصطلحات جديدة من قبيل النزعة الإنسانية والمواطنة العالمية والكسموبوليتية أو الكونية التي كانت في جملتها تهدف للتقدم بالبشرية نحو التوحد في حضارة إنسانية وذلك من خلال الدعوة إلى احترام جميع البشر على اختلاف الأجناس والأعراق والخصوصيات السوسيوثقافية 1. ومن أبرز هذه الدعوات مشاريع الاشتراكيين الطوباويين 2 التي نادت بالتكامل بين الشعوب والأمم والأعراق من خلال التنظير لبناء فضاء كوني يخضع لقانون عال  مي موحد وذلك بوضع الدساتير والقوانين والشرائع الإنسانية محلّ القوانين الطبيعية . والميتافيزيقية 3 ومن أهم المقولات الفلسفية التي بشّرت بفكرة الوحدة العالمية، المقاربة التي اعتمدها الفيلسوف الاجتماعي الفرنسي كلود هنري دو سان سيمون، الذي كان سباقا في الدعوة إلى التوحد في شكل حكومة عالمية وربط مختلف أنحاء العالم بشبكات اتصالية كونية 1. وقد قامت فلسفة سان سيمون على فكرة الإنسانية العال  مية التي تحد من النّزعات القومية وتنظّر لقيام مجتمع إنساني موحد، فقد كان سان سيمون يعتبر أنّه إذا ما اتصلت الشعوب والثقافات وتقاربت الميول وتوحدت الأهداف والغايات وتناسقت الاتجاهات على أساس علمي فإنّه من الممكن التو  صل . إلى إقامة مجتمع إنساني عالمي 2 رغم تعدد الدعوات لقيام مجتمع إنساني موحد من دعوة الفيلسوف ايمانويل مرورا l‘abbé de saint pierre ولاباي دو سان بيار emmanuel kant كانط فإن ما karl marx ووصولا إلى كارل ماركس charles fourrier بشارل فورييه يميز مقاربة سان سيمون عن بقية منظّري الوحدة الإنسانية هو محاولته تقديم جملة من الوسائل والآليات الكفيلة ببناء مجتمع عالمي من خلال دعم الصناعة والاكتشافات العلمية ومد الشبكات الاتّصالية لتحقيق جملة من المصالح الاقتصادية العالمية المشتركة. فلم يبق سان سيمون منظرا بل عمل على تقديم عدد من الحلول العملية الناجعة لتحقيق الوحدة على مستوى كوني عندما حاول إضفاء بعد تشاركي على العمل الإنساني عبر الدعوة إلى انتظامه في شكل حكومة عالمية ومجتمع كونّي موحد 3. فلئن نجح مفكرو القرن الثامن عشر في تعويض الدعوة المسيحية للوحدة العالمية بالمقولات الكسموبوليتية اللائكّية فإن سان سيمون قد حاول أن يوحد كل شعوب العالم في إطار كونفيدراليات عالمية بعد توقيع معاهدات سلام تضمن الدفاع عن المصالح الكونية المشتركة 4. ولذلك سنحاول من خلال هذا العمل